Electoral Geography in Lebanon II

انطوان مسرّه (اشراف)، الجغرافية الانتخابية في لبنان: تاريخية القضاء وتقسيم الدوائر، بيروت، المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور،
المكتبة الشرقية، 2004، 624 ص.

معايير الحد الادنى للجغرافية الانتخابية في لبنان

يشكل الكتاب الصادر عن المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم، بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور، مرجعًا اساسيًا حول الجغرافية الانتخابية في لبنان انطلاقًا من الخبرات التاريخية منذ 1920 ( الجغرافية الانتخابية في لبنان: تاريخية القضاء وتقسيم الدوائر ، اشراف انطوان مسرّه، بيروت، المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور، المكتبة الشرقية، 2004، 624 ص).

انه اكثر من كتاب ومجموعة ابحاث شارك فيها اكثر من ستين باحثًا وسياسيًا وعاملاً في الشأن العام، اذ انه ثمرة اربع ندوات عقدت في المحافظات الاربع بهدف استكشاف مواقف اللبنانيين وكافة الشرائح الاجتماعية والمناطقية. تم تنظيم هذه الندوات بالتعاون مع الرابطة الثقافية في طرابلس ومنتدى الحوار الديمقراطي في زحله وحلقة التنمية والحوار في مجدليون- صيدا، والحركة الثقافية انطلياس.

 

لماذا البعد الجغرافي؟

كانت الدراسات الانتخابية في شكل عام منذ الستينات تغرق كل المواضيع وتخلطها ببعضها: من اللائحة الانتخابية الى البطاقة والنفقات والجغرافية وغيرها. فيأتي من بعدها السياسيون يقولون ان الناس مختلفون والآراء كثيرة، ويعملون اذاك ما يحلو لهم. لهذا السبب كان الهدف التركيز على الجغرافية، اقتناعًا انها تشكل الموضوع المحوري الذي تتفرع عنه القضايا الاخرى، خصوصًا في لبنان حيث يقتضي مصالحة الناس مع الجغرافية التي هي المكان الذي تمارس فيه المواطنية ويرتبط من خلاله الناس بالارض وبالعمل السياسي.

ما يبرر محورية البعد الجغرافي في الانتخابات التشريعية في لبنان ثلاثة عوامل:

1. ارتباط الجغرافية بمبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة : جاء في مقدمة الكتاب: "يستطيع النظام الانتخابي اللبناني من خلال تقسيم الدوائر ان يؤمن الانطباق او عدمه مع روحية الهيئة الانتخابية الموحدة التي بموجبها يصوت ناخبون من طوائف متعددة لمرشحين من عدة طوائف، بدل ان تتمثل الطوائف بواسطة هيئات طوائف منفصلة".

2. المصالحة مع الجغرافية : تجزأ المجال اللبناني في ادراكه وتطيّف وتم استملاكه بفعل خطوط التماس، ليس المادية فحسب بل النفسية ايضًا. ان التلاعب بالجغرافية واستغلالها للتحكم بنتائج انتخابية لا يقل خطورة عن المتاريس والمعابر المادية المسلحة، اذ يؤسس لمتاريس ومعابر نفسية وسياسية تزعزع الشرعية والاستقرار.

وتقول تريزدويهي حاتم : " للتثقيف وللتدريب على الجغرافية دور بالغ الأهمية في هذا البلد، تدريب نخضع له كلنا " . وجاء في الكتاب: "من اهم انجازات البرنامج نشر الوعي. حصل تعنيف للجغرافية في لبنان طيلة 15 سنة، وحصلت علاقة صدامية مع الجغرافية من خلال المتاريس والمعابر بطريقة عنيفة. ومنذ التسعينات هناك طريقة عنيفة في التعامل مع الجغرافية بحجج تبدو راقية، وهي حجج الوحدة او "الانصهار" او الاندماج الوطني. و تكون اهدافها في اغلب الاحيان استغلال الجغرافية للتحكم بالنتائج الانتخابية " .

3. تخطي الاستقطاب الطائفي : ينطلق تخطي الاستقطاب الطائفي في الانتخابات - فعلاً لا خطابًا - من ضرورة العمل على تجنب طغيان اكثريات على اقليات او اقليات على اكثريات في تقسيم الدوائر.

 

معايير الحد الادني

يستخلص من الكتاب معايير حد ادنى لتقسيم الدوائر الانتخابية، ابرزها التالية:

1. المساواة والتواصل الجغرافي : هذان المبدآن المعترف بهما في الاجتهاد الانتخابي يقر بهما صراحة المجلس الدستوري، ويقتضي تاليًا الاخذ بهما في التطبيقات العملية. يجب ان يكون القانون واحدًا لجميع المواطنين، انطلاقًا من مبدأ اعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية ذاتها في مختلف الدوائر. اما التواصل الجغرافي فيفترض تكاملاً من النواحي الجغرافية والسكانية والاجتماعية.

2. النظام الاكثري المقيد : النظام الانتخابي الاكثري الذي يجمع اللوائح الكبرى في دوائر كبرى يؤدي الى اختلال يقتضي تجنبه بواسطة النظام الاكثري المقيد حيث الاصوات تصبح محصورة في عدد من المرشحين يتراوح بين 4 او اكثر بقليل. والافضل عدم تجاوز حجم الدائرة 5 أو 6 مقاعد في حال اعتماد النظام الأكثري، لئلا تقرّر اللوائح-المحادل النتائج سلفاً .

3. التمثيل الطائفي الاجمالي دون فرز مصطنع ودون دمج مصطنع : حيث انه يستحيل احترام مبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة وغالبًا بشكل مصطنع على مستوى كل دائرة، لذا يقتضي تأمين الانطباق مع هذا المبدأ (الذي بموجبه ينتخب مقترعون من طوائف متعددة مرشحين من عدة طوائف) على مستوى لبنان ككل (المادة 4 من القانون الانتخابي)، دون دمج مصطنع بين الدوائر ودون فرز مصطنع. ان أي بحث في تخطي الطائفية إذا كان جدياً يجب ان يرتكز على تجنّب طغيان أكثريات على أقليات أو أقليات على أكثريات في العملية الانتخابية وإلا تعود الطائفية من الجذور ومن باب اوسع ودون ضوابط.

جاء في المقدمة: " كانت هناك فكرة في الذهنية اللبنانية ان الدوائر الكبيرة هي عنصر اختلاط واندماج، وهي مطابقة لميثاق العيش المشترك، دون ان تكون هناك دراسات ميدانية فعلية اختبارية في الموضوع . كل انواع التقسيمات الادارية جُربت ، ولكن لا علماء السياسة ولا علماء الجغرافية ولا المؤرخون انكبّوا على هذا الموضوع لاستخلاص النتائج منه. هل نتوقف عن التلاعب بالجغرافية؟"

وجاء في الكتاب: " اذا اردت فعلاً، فعلاً وليس خطابًا، ان تعمل لتخطي الطائفية في لبنان، يجب ان تأخذ بعين الاعتبار البنيات السكانية والاقتصادية والمذهبية في هذا البلد، فاذا لم تأخذها بعين الاعتبار وألغيت قاعدة التوزيع الطائفي، واذا حصل خلل كبير في التمثيل، تعيد انتاج سلوكيات تعصبية الى اقصىالحدود. وعلى العكس من ذلك انّ اخذ الجغرافية بعين الاعتبار في بنيتها السكانية والمذهبية وفي تاريخية تقسيماتها الادارية يشكّل المدخل الفعلي والصحيح لبناء قواعد تمثيل صحيح يريح الجميع ويسمح بتخطي الكثير من السلوكيات. يحتاج اللبنانيون، بعد مرحلة من الاختبارات التاريخية الطويلة في النزاع والتوافق، الى مصالحة ليس فقط مع تاريخهم، بل ايضًا مع جغرافيتهم".

4. واقعية وتواضع : ان البحوث التي تهدف إلى بلورة نظام انتخابي جديد في الظرف الراهن، يقتضي تركيزها على العوامل التي تحد من المفاعيل المتشائمة للدورات الثلاث الاخيرة والإنحرافات المناقضة للديموقراطية. اي نظام انتخابي، حتى وان اعتبر جيدًا، يقتضي اعادة النظر فيه بعد دورتين او ثلاث، لسبب عملي هو ان استمراريته لوقت طويل ينتج عنه خبراء في الانتخابات يفوزون، ليس لأنهم الأكثر شعبية، بل لانهم بفعل الخبرة اصبحوا اكثر مهارة في التحكم بالماكينة الانتخابية.

5. تاريخية القضاء : ان الاقضية، حسب دراسة لعصام خليفة في الكتاب، لها مرتكزات تاريخية. جاء في الكتاب: "خلال الجولات في المناطق كان بعض الأخصائيين يتساءلون لماذا هذا القضاء ليس مع ذاك، ولماذا هذا التقسيم؟ فهل نركّب ونغيّر هكذا بسهولة؟ ان للتقسيمات الادارية الانتخابية جذورًا وفلسفة ومرتكزات".

6. تاريخ وضع التقسيمات الانتخابية : ان تحديد شكل الدوائر الانتخابية وحجمها بصورة مبكرة، هو شرط لازم لصحّة الانتخابات النيابية. أن القانون الانتخابي، مهما جاء مراعياً مباد ئ وشروط التمثيل الصحيح، يبقى مشكوكاً في صحّته انْ هو أُقرّ، على منوال المرّات السابقة، في غضون مساحة زمنية قصيرة عشيّة اجراء الانتخابات النيابية.

 

البعد النفسي ونشر الثقة

يقول انطوان مسرّه في المقدمة: " نخرج من هذا البرنامج بعد عمل دام سنتين وتضمّن جولات في مختلف المحافظات اكثر قناعة بأهمية الجغرافية " . وتقول دعد بو ملهب عطالله : " ان المكان هو مجرد حلبة . هناك خلل بالفعل في قضية الجغرافية. الجغرافية في المنطقة هي قضية نزاعية صراعية متفجرة، خاصّة اذا ارتبطت بهويات وبأقليات. خرج لبنان من هذا الموضوع . ربما تعلمنا من التاريخ ولكن يجب ان نخرج ايضا من الصراع الجغرافي، خاصة لأن لبنان بلد صغير " .

يستخلص من الكتاب ان موضوع التمثيل ليس مسألة محض قانونية، بل يرتكز على مؤشرات أهمها شعور الناس بأنهم ناخبون وممثلون. وهذا عامل نفسي أهمله الباحثون في معظم الاحيان في حين انه محوري بالنسبة للنمو والإعمار لأن الثقة هي اساسية للتنمية والاستثمار والشرعية.

تولى تنسيق البرنامج في مختلف المحافظات: محمد المصري، طوني جورج عطالله، ايلي مخايل، تريز دويهي حاتم. ومن المشاركين، حسب ورود اسمائهم في الكتاب: سمير الجسر، احمد فتفت، نقولا فتوش، خليل الهراوي، مروان فارس، ميشال موسى، سيمون كرم، بشاره منسى، لويس حنينه، بسام الهاشم، انطوان سيف، رشيد الجمالي، دعد بو ملهب عطالله، محمد المجذوب، عصام نعمان، عصام سليمان، شوكت اشتي، محمد علي مقلد، كارول شراباتي، عصام خليفه، كمال فعالي، بول مرقص...