إن الكتاب الصادر في منشورات المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للديمقراطية، بعنوان: علاقة المواطن بالإدارة : نماذج في المعاملات والإعلام الإداري (إشراف
الدكتور انطوان مسرّه، المكتبة الشرقية، 1998- 1999، جزءان) هو الأول من
نوعه في مجال العلاقة بين المواطن والإدارة والتربية الحقوقية الشعبية
والإعلام الإداري.
يتصدر الكتاب، الذي هو جزء من برنامج تنفذه المؤسسة اللبنانية للسلم
الأهلي الدائم، هذا القول لرئيس الجمهورية السيد الياس الهراوي بمناسبة عيد
الجيش في أول آب 1997: "المواطنون يريدون إدارة تخدمهم وأنا أرفض إدارة
تستبد بالمواطن وخدماته. إنني أدعو الحكومة ومجلس النواب الى بلورة منهجية
واضحة لمعالجة كل هذا الواقع".
جاء في تقديم الكتاب: "يجسد هذا القول لرئيس الجمهورية المفهوم
المعاصر للإدارة ولمعيار الإصلاح الإداري الذي هو تأمين خدمة عامة
للمواطنين. ليس معيار الإصلاح ضخامة وفخامة الأبنية، ولا النسق المنطقي
للتشريعات، ولا توفر مؤسسات متعددة، ولا الدورات التدريبية للموظفين. معيار
الإصلاح الإداري تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن. والعلاقة بين
المواطن والإدارة لها ارتباط مباشر بحقوق الإنسان والسلم الأهلي. الإدارة
هي رابط متين لما هو مشترك بين اللبنانيين في ميثاق
العيش المشترك وقاعدة المجال العام الذي تبنى عليه المواطنية. تندرج
السياسة القصيرة المدى في إعداد دليل المواطن الى الإدارة العامة. ما يجعل
المعاملة متشابكة ليس عدد التواقيع، بل جهل سياق المعاملة. إن مقاومة جهل
المواطن - وتجهيله المتعمد - لسياق المعاملات الإدارية هو المدخل لتخفيف
معاناة الناس في الشؤون الحياتية اليومية وهو المدخل الى خطط إصلاحية
أخرى".
وينطلق رئيس مجلس الوزراء السيد رفيق الحريري في مستهل التعميم رقم 5
تاريخ 17/3/1997 من "المبدأ أن الإدارة الجيدة هي الإدارة التي تكون في
خدمة المواطن وتسعى الى تحسين ظروف استقبال أصحاب العلاقة وإرشادهم
والاهتمام بطلباتهم ومراجعاتهم". ويطلب التعميم من جميع الإدارات العامة
خلال مهلة لا تتعدى ثلاثة أشهر "وضع جردة بالمعاملات الأساسية العائدة الى
الجمهور وتحديد:
- المستندات الواجب على المواطن تقديمها بالنسبة الى كل معاملة.
- نماذج المطبوعات المطلوب من أصحاب العلاقة تعبئتها.
- الرسوم القانونية الواجبة..."
المجتمع: دعم ومبادرة
هذا الجهد، البسيط ظاهرًا والجبار عمليًا، هو من اختصاص الإدارة
اللبنانية، وكذلك من اختصاص الجمعيات الطوعية التي تهتم بحقوق الإنسان
والديموقراطية، لأن الموضوع يرتبط بحق المواطن في الاستفادة من الخدمات
الإدارية بصفته مكلفًا بدفع الضرائب. الإدارة هي في خدمة كل المواطنين لا
في خدمة السياسيين والنافذين والعاملين فيها. ورد صراحة في أعمال وتوصيات
المؤتمر الذي عقدته وزارة الإصلاح الإداري في لبنان في 19-20/11/1997 ضرورة
تبسيط المعاملات الإدارية وتعريف المواطنين بسياق المعاملات من خلال إصدار
أدلة.
تتطلب هذه التوجهات مبادرة ودعمًا، وأحيانًا ضغطًا من المواطنين ومن
المجتمع المدني. لذا باشرت منذ أيلول 1996 المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي
الدائم تنفيذ برنامج بعنوان: "أنت والقانون: "التربية الحقوقية الشعبية".
يترافق هذا العمل مع نشاط إعلامي يهدف الى توعية المواطنين حول حقوقهم تجاه
الإدارة. تندرج هذه الخطط في إطار مزيد من الديموقراطية في لبنان التي
تشمل في أحد جوانبها حق المواطن في الخدمات الإدارية بفعالية وبأقل كلفة
ممكنة حرصًا على الأموال العامة وعلى مال الأفراد. يقترح الكتاب في مقدمته
إدخال مادة " علاقة الإدارة بالمواطن " في كل برامج تأهيل
الموظفين التي تقتصر اليوم على القضايا القانونية والتنظيمية، وكذلك تنظيم
حلقات دراسية حول هذا الموضوع في مجلس الخدمة المدنية.
جهل وتجهيل ومنهجية
يتساءل الدكتور انطوان مسرّه في تقديمه: "لماذا المعاملات طويلة
ومعقدة؟ السؤال الصحيح هو بالأحرى التالي: لماذا تفشل المساعي لتبسيط
المعاملات؟ هروبًا من المشكلة تستدعي الإدارة خبراء في التنظيم يضعون
تنظيمًا ويفشل لأن تعقيد المعاملات يلبي وظيفة بنيوية في الفساد الإداري.
تعقيد المعاملات يبرر الإكرامية. وبواسطة التعقيد يمارس استغلال النفوذ".
يعتمد الكتاب منهجية دقيقة في وصف سياق 173 معاملة إدارية في وزارات
الداخلية والتربية والبريد والخارجية والإعلام والإسكان والعمل والمالية
وفي مؤسستي الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة. والمعاملات الموصوفة
مرفقة بخمسة وعشرين نموذجًا. المنهجية المعتمدة هي التالية:
" ليكون الدليل كافيًا يجب أن أجد فيه جميع الأسئلة التي أطرحها على نفسي:
المكان ؟ أين هو المركز الذي يجب أن أقدم فيه الطلب.
المهل ؟ كم يلزمني من الوقت لإنهاء المعاملة.
القانون ؟ أي نص يلزمني بتقديم الطلب.
الرسم ؟ كم هو الرسم المتوجب علي؟
الوصف ؟ من هي الدائرة المختصة بدرس الطلب ومن هو صاحب الصلاحية بالبت به وما هي مراحل سيرها؟
المرجعية ؟ من هي الجهة التي يمكن مراجعتها لحماية حقوق المواطنين تجاه الإدارة العامة".
لا تتوفر دراسة وصفية للمعاملات، أي للمسار الإجرائي الإداري والمراحل
التي تمر بها المعاملات واقعيًا. "مجمل المساعي، يقول الدكتور انطوان
مسرّه، جديرة بالتقدير وهي ريادية، لكنها تحتاج الى إكمال وتعمق وبشكل لا
تقتصر فيه على الإعلام القانوني بل تكون إعلامًا إداريًا متكاملاً".
يهدف برنامج المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم الى ثلاث غايات:
1. الإعلام الإداري ، أي تعريف الناس بسياق معاملاتهم مما يحقق الشفافية ويعرّف الناس بحقوقهم.
2. تفعيل الإدارة ، أي العمل على تفعيل وتطوير القطاع العام لأنه في وضعه الحالي يشكل عائقًا في عملية التنمية.
3. البلوغية الى الخدمات الاجتماعية ، أي توسيع الاستفادة من الخدمات الاجتماعية التي يعاني المواطن من فقدانها يوميًا.
نالت المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم في 16/5/1997 جائزة السلم
الأهلي وحقوق الإنسان التي تمنحها مؤسسة جوزف ولور مغيزل وبرنامج الأمم
المتحدة للتنمية، وذلك بين عشرين مؤسسة ترشحت للجائزة، وذلك للأسباب
الثلاثة التالية: "انطباق الترشيح على مرتكزي السلم الأهلي وحقوق الإنسان،
والمساهمة الفعالة إيجادًا وتطويرًا لثقافة وطنية في مضمار السلم الأهلي
وحقوق الإنسان انطلاقًا من الفكري الى التطبيقي والعكس، وجدارة المنجزات
كمًا ونوعًا وإطارًا وطنيًا واتسامها بالاستمرارية والشمول".